ليست الكاتدرائيات فقط عجائب معمارية دينية ملفتة للانتباه، بل هي كتاب يضم تاريخ المدينة التي بنيت فيها وثقافة سكانها على مر العصور، فكانت مصدر إلهام لبعض من أشهر الرسامين والنحاتين في التاريخ، مثل ليوناردو دا فينشي ومايكل أنجيلو وغاودي وبيير تشارلز لينفانت وغيرهم الكثير ممن وضعوا عقوداً من حياتهم في تجميل هذه التحف المعمارية التراثية كطريقة ليتذكرهم بها الناس من بعدهم، ويندهش بها الزوار.
وفي هذه المقالة سنتكلم عن أشهر 4 كاتدرائيات في غرب أوروبا غيرت مسار حياة مدن أو بلدان بأكملها.
1- كاتدرائية نوتردام دو باريس
تقع كاتدرائية نوتردام في قلب باريس في Île-de-la-Cité ( جزيرة المدينة) أحد جزر نهر السين والمركز التاريخي والجغرافي لباريس. على هذه القطعة الصغيرة من الأرض بنى الرومان مدينة لوتيتيا غالو الرومانية، ومن القرن السادس إلى القرن الرابع عشر، أقام ملوك فرنسا هنا.
أسس الملك لويس التاسع (سانت لويس) مع الأسقف موريس دي سولي كاتدرائية نوتردام دي باريس في عام 1163، وانتهى إنشاؤها بالكامل بعد أكثر من 150 عاماً. أنشئت الكاتدرائية لأول مرة على الطراز القوطي المبكر، بينما تظهر الإضافات اللاحقة (الجهة الغربية وصحن الكنيسة) الانتقال إلى الطراز القوطي العالي.
يعد هذا النصب التذكاري الرائع من العصور الوسطى نموذجاً ممتازاً للعمارة القوطية، إذ ينبهر السياح فور وصولهم للكاتدرائية بتصميم الواجهة المزخرف، مع وفرة من المنحوتات المدهشة، بينما توفر دعامات الأساس المتقنة السلامة الهيكلية للمبنى الهائل.
لا يمكن أن يفوت أي زائر قطعة واحدة أو زخرفة من هذه التحفة المعمارية، بدءاً من معرض الملوك على الواجهة الغربية فوق المدخل، إلى الصفوف المكونة من 28 شكلاً منحوتاً بدقة تمثل ملوك فرنسا من تشيلديبرت الأول (511-588) إلى فيليب أوغست. هذه الشخصيات فقدت رؤوسها خلال الثورة الفرنسية وهي معروضة الآن في متحف كلوني "Musée de Cluny".
تغري الكاتدرائية من الداخل السياح بأضواء الشموع الخافتة، وبنوافذ الزجاج المعشق الذي يدخل ألواناً ساحرة إلى داخل صحن الكنيسة المزخرف، النافذة الأكثر جدارة بالملاحظة هي نافذة الورود في الجناح الشمالي، ويضم هذا العمل الفني المذهل 80 مشهداً من العهد القديم تتمحور حول السيدة العذراء.
2- بازيليكا القديس بطرس
بنيت كاتدرائية القديس بطرس بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، لتحل محل الهياكل السابقة التي بدأت عام 326 فوق رفات القديس بطرس. نرى بعضاً من أعمال الفنانين العظماء قبل الدخول إلى الكنيسة، حيث يوجد في الرواق تمثال الفروسية لقسطنطين من قبل برنيني وأجزاء من فسيفساء لجيوتو فوق المدخل الرئيسي الذي يعتبر جزءاً من الكنيسة القديمة، بالإضافة الأبواب البرونزية المزدوجة.
تشتهر كاتدرائية القديس بطرس بصحنها الضخم (طوله 185 متراً وارتفاعه 46 متراً) الذي يصل إلى قبة بارتفاع 119 متراً، ويمكن أن يستوعب أكثر من 60 ألف شخص. يقف تمثال بيتا الشهير لمايكل أنجلو الذي نحته عندما كان عمره 24 عاماً خلف الزجاج المقوى لمدخل الكاتدرائية. كما يوجد أيضاً على اليمين كنيسة القربان المقدس المزخرفة بروعة، مع مسكن بيرنيني.
يقع المذبح البابوي المقدس تحت قبة مايكل أنجيلو المقامة على أربع أرصفة خماسية، ويوجد أدناه قبر القديس بطرس، كما يوجد واحد من أجمل منحوتات بيرنيني وهو العرش البرونزي في الحنية المحاط بالمقابر البابوية، كما توجد قبور المزيد من الباباوات في الممر الأيمن.
توجد سلالم ملولبة مكونة من 330 درجة شديدة الانحدار داخل القبة تصل إلى الفانوس تحت السطح مباشرة، ويمكن فيها إلقاء نظرة شاملة على هيكل القبة والإطلالات الرائعة على ساحة القديس بطرس المركز الروحي للفاتيكان والعالم الكاثوليكي بأسره.
3-بازيليكا ساغرادا فاميليا
تعد بازيليكا ساغرادا فاميليا كاتدرائية للرومان الكاثوليك في مدينة برشلونة، وتقع البازيليكا في الجزء الشمالي من المدينة، وتهيمن على المناطق المحيطة بها بأبراجها العالية البالغ عددها 18 برجاً والتي ترتفع حوالي 170 متراً فوق أحياء المدينة الخلابة.
تعتبر سارغادا فاميليا واحدة من أكثر الكنائس غير التقليدية في أوروبا والعالم، عندما كلف أنتوني غاودي أهم معماري كتالوني في العصر الحديث بتصميم كاتدرائية قوطية عملاقة في عام 1883، ولكنه لم يتبع الخطة المطروحة بل قام بابتكار مخطط مميز لهندسته الشهيرة على الطراز السريالي الحديث، وانتهى بناء المبنى الرئيسي للبازيليكا عام 2010، ولكن الكنيسة لم تكتمل حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من عدم انتهاء الأعمال في الكنيسة إلا أن السياحة مسموحة فيها، حيث يذهل الزائرون أولاً بالجزء الخارجي الفخم وبواجهة المهد التي تصور ولادة السيد المسيح، ثم بداخل الكنيسة المقدسة المزينة بأجمل الزخارف والرخام والذهب وبالأعمال الفنية البهية وبالزجاج المعشق الضخم الذي يخطف الأنفاس.
4- كاتدرائية فلورنسا "سانتا ماريا ديلا فيوري"
كاتدرائية فلورنسا المعروفة باسم سانتا ماريا دي فيوري (كاتدرائية القديسة مريم للزهرة) هي الكنيسة الأم لأبرشية الرومان الكاثوليك في مدينة فلورنسا بإقليم توسكانا، بدأ إنشاؤها في عام 1296 على الطراز القوطي.
ثم أضيف إليها تصميم أرنولفو دي كامبيو الهيكلي الذي يراه الناس حالياً ولكن بدون القبة، وبقيت قبة الكاتدرائية لغزاً مستحيلاً لمعماريي ومهندسي ذلك العصر، حتى جاء كوزيمو ميديتشي حاكم المدينة الشهير آنذاك بالمعماري العبقري فيليبو برونليسكي الذي استطاع بناء القبة التي لقبت بـ "معجزة قبة فلورنسا".
تمتلئ كاتدرائية سانتا ماريا دي فيوري بالمنحوتات والأعمال الفنية على جدرانها الداخلية والخارجية، ويتميز الجزء الخارجي من الكنيسة بألواح رخامية متعددة الألوان بدرجات مختلفة من الأخضر والوردي التي يحدها الأبيض، وتماثيل صغيرة منحوتة في الجدران ذات الواجهة القوطية المتقنة التي تعود للقرن التاسع عشر.
تجمع Piazza Duomo ومجموعة المباني التي تشكل مجمع الكاتدرائية بعضاً من أعظم الكنوز الفنية الإيطالية في منطقة واحدة صغيرة نسبياً، ويضم هذا المجمع المعمودية، وبرج الجرس، وكاتدرائية سانتا ماريا دي فيوري، ومتحفها، وسترى بداخلها العديد من أشهر روائع فن عصر النهضة التي بناها فنانون كبار كدوناتيلو، ومايكل أنجيلو، وبرونليسكي، وغيبيرتي.
يعد مجمع مباني كاتدرائية سانتا ماريا دي فيوري قلب المنطقة التاريخية لفلورنسا أهم مناطق الجذب السياحي في توسكانا بأكملها، كما تعد الكنيسة واحدة من أكبر كنائس أوروبا، وقبتها هي أكبر قبة مصنوعة من الطوب في العالم.
فيديو:
كيف تربح المال من قناتك على يوتيوب